قواريرَ من فضةٍ.. إعجاز قرآني سبق التكنولوجيا
الجمعة, 24 ديسمبر, 2010, 16:45 بتوقيت القدس
حوار- هديل عطاالله
حين رشحّ أحدهم لي اسم الدكتور المهندس خالد العُبيدي كنموذجٍ "لأحد رواّد الإعجاز الهندسي" تساءلتُ باستغراب: "وهل هناك علاقةٌ بين الهندسة والإعجاز أيضاً!!"، وعندما طالعتُ سريعاً ما يصبّ في هذا المجال تبيّن لي أن هذا النوع من الإعجاز يتجاوز الإعجاز العلمي بمرحلةٍ فيما يتعلق بإمكانية تحويله من مجرد "بحثٍ إعجازي" يوضح السبق في العلم أو التخصص الهندسي المعين إلى إمكانية استنباط تقنيات واختراعات واكتشافات علمية أو تقنية أو ثابتٍ علمي وهندسي من كتاب الله وسنة رسوله ليوضع أمام أنظار العالم حتى يعرف حقيقة وروعة هذا الدين.
عزيزي القارئ: لم يبالغ شيخنا محمد النابلسي حين قالَ: إن مَن عرفَ الله عرفَ كل شيء، ومن لم يعرفه لم يعرف أي شيء"..إنها المعرفة التي تتجلّى في قرآنٍ جاء بعلم نحن "البشر المساكين" نكتشفه اليوم..فتعالوا معنا نعرف "قليل القليل" عبر "ضيفنا" العبيدي أحد علماء "العراق"، وصاحب اكتشاف منظومة الثوابت الهندسية في القرآن الكريم، كما له ابتكارات من خلال القرآن والسنة تبنّت بعضها شركات عالمية، وهو عضو الهيئة الاستشارية لمركز الإعجاز العلمي في الجامعة الإسلامية ببغداد، كما أنه عضو في برنامج خدمة علوم القرآن في جائزة دبي للقرآن الكريم، وله 44 كتاباً في مجال الإعجاز القرآني..
مِن "تدبر القرآن" بدأت تُرى ما الذي أدَى بـ د.م. خالد العُبيدي إلى أن يتجاوز اختصاصه فيما هو أكثر من "هندسةٍ بحتة" إلى البحث في جوانب "علمه" التي سبقها القرآن بألفٍ وأربعمائة عام؟!، عبر "البريد الالكتروني" يجيب على أول سؤالٍ لـ "فلسطين" بقوله:"كنتُ دائم التفكير والتأمل والتدبر في كتابِ الله كلما قرأته وطالعتُ آياته العظيمة وتعابيره الشاملة الجامعة المانعة، ثم تحولّ الأمر إلى مطالعاتٍ في العلوم والتفاسير القرآنية ومنها الإعجاز العلمي لعلماء أجلاّء كُثر، إلى أن وصلتُ إلى حالة تحدٍ بداخلي لضرورة استخراج أمورٍ تتعلقُ بلبّ اختصاصي الهندسي، لا سيما أن هذا المجال لم يُغطّه أحد ممن تحدثوا في الإعجاز العلمي بشكلٍ عام.
وهكذا أخذت تتحرك بي مكامن الإبداع وكان ذلك متوازياً مع دراستي للدكتوراة قبل 17 عاماً خلَت في الجامعة التكنولوجية ببغداد، وكان حينها وقت حصارٍ على العراق حيث لا تقنيات ولا انترنت ولا كتب جديدة تدخل البلاد آنذاك، لتكون باكورة هذا الجهد هو كتاب "المنظار الهندسي للقرآن الكريم الذي فيه أبرزت علاقة نفخ الصور بظاهرة الرنين، حتى أني اشتهرت وقتها بلقب: "خالد صاحب الرنين".
الإعجاز الهندسي في القرآن والسنة يشتمل على السبق القرآني والنبوي في مجالٍ أو أكثر من العلوم الهندسية الكثيرة والمتعددة وهو على عدة أنواع منها :السبق في التقنية الهندسية أو الفكرة الهندسية المعينة تصريحاً أو تلميحاً أو استنباط
العبيدي
ويوضح العبيدي أن الإعجاز الهندسي في القرآن والسنة يشتمل على السبق القرآني والنبوي في مجالٍ أو أكثر من العلوم الهندسية الكثيرة والمتعددة وهو على عدة أنواع منها :السبق في التقنية الهندسية أو الفكرة الهندسية المعينة تصريحاً أو تلميحاً أو استنباطاً".
لماذا الفضة بالذات؟!
المفصل الرئيسي لحوار "فلسطين" مع "ضيفنا" كان يتجسّد في آيةٍ عظيمة في سورة الإنسان تصف جوائز الجنة –جعلكم الله من أهلها- حين يقول عز وجلّ:"ويُطاف عليهم بآنيةٍ من فضة وأكوابٍ كانت قواريرا، قوارير من فضةٍ قدّروها تقديراً"..هل حاول أحدكم أن يفكر في "مغزى" هذه الآية؟!..حتماً إن فعلتَ ستقف مندهشاً أمام "السبق القرآني" في علوم وهندسة المواد وتصنيفها وصناعاتها، إنه "السبق الذي وصفه العبيدي "بالأمرُ العُجاب" الذي يقدم لنا فيما يلي من سطور شرحاً مستفيضاً:
يقول "ابن الرافدين": "تلك الآية تبيّن وفق أقوال المفسرين أن هنالك أكواباً في الجنة تَراها شفافةً كالزجاج ولكن مادتها هي الفضة فسمّوها الفضة الشفافة، تأملتُ في الأمر وتساءلتُ لماذا ذُكرت هذه دون غيرها من مواد الجنة ونعيمها؟!، لابد أن الأمر فيه خاصية وفائدة ما وبالتالي فالمسألة تستحق البحث لتصنيع هذه المادة وأوردتُ ذلك في كتابي "المنظار الهندسي" ودعوتُ الباحثين لتبنّي هذا الأمر والبحث فيه، لكن لا مجيب، ثم تفاجأت أنه في عام 2002 قام فريقُ ياباني باكتشاف طين معدني صناعي يمكن تكوين فضةٍ من خلاله وفق تقنيةٍ معينة.
ورغم أن اكتشافهم لا يصل لمواصفات المادة القرآنية المتمثل في الفضة الشفافة إلا أنه في الطريق نحو تحقيق ذلك الاكتشاف المذهل- لو قُدّر له أن يحصل-، لكني في الحقيقة تألمتُ وقتها لأنه لو قُدّر لنا أن نبحث لكُنا توصلنا لذلك الاكتشاف قبلهم وحينئذٍ سنسكتُ كل الأفواه التي تتهم "أهل الإعجاز" أنهم ينتظرون العالم يكتشف ثم يأتوا ليقولوا هذا موجود في القرآن والسنة!!".
ومن ناحيةٍ علمية -ولمن يهمه الأمر- وإن كان يا حبذا أن يهتم الجميع بهذا النوع من "الذائقة العلمية الإيمانية"، يحاول العبيدي أن يرسم الصورة واضحةً في آية "أكواب الفضة":"لقد ذكرَ القرآن الكريم المواد المعدنية والفخارية واللدائنية بل وحتى "الخليطة" وهي التقسيمات الأربعة التي صنفّها العلم الحديث في تخصصات علوم المواد وهندستها، ولكن ما وردَ في الذكر الحكيم من أمور "المواد الخليطة" هو الأعجبُ حقاً، وهي ما يقصد بها تلك المواد التي تنشأ من خلط المواد من المجموعات الثلاث الأولى بنسبٍ مختلفة، فعلم "خلائط المواد" قديم في حضارات العالم، لكن هذه التقنيات الخلائطية في خلط معادن مع "سيراميكيات" وفق أسلوب الخلط الجزيئي تعتبر حديثة نسبياً، إذ لم تعرف إلا في النصف الثاني من القرن العشرين بعد التطور الكبير في فهم المواد وعلومها.
وما اكتشفه العلماء مؤخراً بشأن "معدن طيني" يحوي معدن الفضة يمكّن تصنيع الزجاج ذات المواصفات الفريدة منه فتحَ آفاقاً جديدة في عالم الفخاريات والزجاجيات، بل عدّه بعض العلماء ثورة مواد جديدة، هذه المادة تم تطويرها في اليابان ومتوفرة في الولايات المتحدة، إذ هي ليست "طين" بالمعنى المتعارف عليه بل دقائق من الفضة مذابة في وسط عضوي تعطي خصائص تتشابه كثيراً مع خصائص الطين لا سيما ذلك الخزف الطيني الشهير، ذلك أنه في علوم المعادن هناك ما يعرف ببلورات الرصاص، وهي عبارة عن زجاج شفاف من مادة الرصاص حيث يضاف أوكسيد الرصاص إلى "السليكا المصهورة" أثناء صناعة الزجاج لتعطي بالنتيجة زجاجاً أخاذاً له قابلية بريق وانعكاس للأشعة أكثر بكثير من الزجاج العادي، وقد تم اكتشاف تلك البلورات الأخاذة بواسطة العالم البريطاني جورج رافينسكروفت عام 1976 ولها عدة تسميات تجارية مثل "زجاج ستيوبن"، وبلورات "ووتر فورد".
ما أروع هذا "الوصف"؟!
وبعد الشرح المستفيض يتساءل العبيدي بخشوع:"هل يمكن أن تتصورّوا أن هذه التقنية الحديثة جداً في "هندسة الخلائط" قد سبقها القرآن الكريم بتصريحٍ واضح يدحض كل مشكك بعلمية وشموليةٍ وسَبقٍ، فتدبروا جميعاً قول الله:"وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا، قَوَارِير من فضةٍ قدّروها تقديرا"َ، فالقوارير كما معروف هو الزجاج أو الأواني "المزججّة" فكيف تكون من فضة؟!..ذلك أن الأبرار بعد عنائهم الدنيوي يطافُ عليهم بآنيةٍ من فضة وفي أكوابٍ من فضة ولكنها شفافةٍ كالقوارير مما لم تعهده الأرض وهي بأحجام متعددة تقديراً يحقق المتعة والجمال، وقد قال ابن عباس والحسن البصري: "بياض الفضة هي صفاء الزجاج والقوارير لا تكون إلا من زجاج، فهذه الأكواب هي من فضة وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها".
(ذكرَ القرآن الكريم المواد المعدنية والفخارية واللدائنية بل وحتى "الخليطة" وهي التقسيمات الأربعة التي صنفّها العلم الحديث في تخصصات علوم المواد وهندستها، ولكن ما وردَ في الذكر الحكيم من أمور "المواد الخليطة" هو الأعجبُ حقاً
العبيدي)
ويتابع مستدركاً:"رغم ما توصلت له علوم التقنيين الذين طورّوا واكتشفوا "الطين المعدني الثمين" إلا أن الوصف القرآني أروع وأجمل وهو أن تكون الفضة شفافة أي أن الرائي لها يظنها زجاجاً لكن حقيقتها فضية، وهذا ما ندعو لاكتشافه كي نقدمه للغرب بأنه اختراع قرآني أُريد به جوائز للآخرة لمن استحق ثواب الله، ولكنه في ذات الوقت هندسة قرآنية غاية في الروعة، بالله عليكم ألا يدفع هذا السبق للبحث عن مادةٍ جديدة تأخذ صفات الفضة وهي (معدن) مع صفات زجاج وهي فخار؟!"، معبراً عن أسفه بأنه طالبَ كل من يمكن أن يساعده في تحقيق هذا الحلم لمدّ يد العون بما يستطيع ولكن حتى الآن المسألة لم تتعدَ الوعود!.
ِعلمٌ خالصٌ لله
أما من لمحات الإعجاز الهندسي في السنة النبوية التي يشير إليها:"من ذلك ما جاء في حديث الصحابي الذي شُجّ أنفه في إحدى المعارك فأبدله بأنفٍ من فضة فأنتنَ عليه فاشتكى للنبي عليه الصلاة والسلام، فأمره بوضع أنفٍ من ذهب بدل ذلك فلم ينتن"، وسبب هذا التبديل لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم، وهذا ما أنبأه به العليم الحكيم، أن الذهب لا يتآكل ولا يتأثّر بالجو فلا يؤثر على الجسم ولا يقيح له.
أما الفضة فتسببّ هذه الخاصية التي اُكتشفت حديثًا وهي تفاعله مع الضوء لتكوين مسحوق الفضة أو "السُخام" الذي بدوره يؤدي إلى ظهور القيح والجراحة في أنف الرجل، وفي هذه الحالة كان استخدام الذهب ضرورة والضرورات تبيح المحظورات، أما لماذا يستخدمون الفضة في تحشِية الأسنان لأن الفم أغلب الأوقات مظلم لا تدخله أشعة الشمس لذلك لا تتكون هذه الطبقة السوداء إلا نادراً ولا تؤدي إلى القيح أو الجراحة..أليست هذه دعوة لإخواننا الأطباء كي يبحثوا في هذا الأمر ويعلمونا مما علمهم الله؟!".
وبلا شك أن "تحولاً فارقاً" طرأ على ضيفنا بعد أن خاض هذا المجال، حيث يفسر ذلك بقوله:"سابقاً في العراق كنت أستاذاً جامعياً هواياته وعشقه هو البحث العلمي في مجال تخصصه، وأما بعد أن منّ الله عليّ بهذا الشرف العظيم فأنا اليوم لا هم لي في هذه الحياة سوى رفع راية أمتي وديني، وسبيلي إلى ذلك هو البحث والتأليف والاختراع، ودائماً ما يحضرني قول أحد الصالحين عندما قال:"ابتغينا العلم لغير الله فأبى الله إلا أن يكون علمنا خالصاً له"، وبفضل الله أن ثمة أشخاصاً أسلموا في مؤتمراتٍ ألقينا فيها محاضرات وبحوثاً كما حدث في مؤتمر دبي عام 2007م ومؤتمر الرباط عام 2008".
المصدر: صحيفة فلسطين