فضل سورة الإخلاص وهي مكية
(ذكر سبب نزولها وفضلها)
روى الإمام أحمد عن أبي كعب أن المشركين
قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}، وكذا رواه الترمذي وابن جرير، زاد ابن جرير والترمذي قال
{الصَّمَدُ} الذي لم يلد
ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله عز وجل
لا يموت ولا يورث { وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ
(4)} ولم يكن له سبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء. ورواه
ابن أبي حاتم والترمذي فذكره مرسلاً ثم قال الترمذي: وهذا
أصح.
(حديث آخر في
فضلها) روى البخاري
عن عمرة بنت عبدالرحمن – وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم – عن
عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، وكان يقرأ
لأصحابه في صلاتهم فيختم بــ { قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ} فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
فقال (سَلُوهُ لأَيِّ شَئٍْ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟)، فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم (أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى
يُحِبُّهُ) هكذا رواه في كتاب التوحيد، وقد رواه مسلم
والنسائي أيضاً.
(حديث آخر) روى البخاري في كتاب الصلاة، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من
الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ
به، افتتح بــ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى يفرغ منها، ثم كان يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل
ركعة، فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ
بالأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن
أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن
يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال (يَا فُلاَنُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ
أَصْحَابُكَ، وَمَا حَمَلَكَ عَلى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ؟)، قال: إني أحبها، قال (حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ).
هكذا رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به.
(حديث في كونها تعدل ثلث القرآن) روى البخاري عن أبي سعيد أن رجلاً سمع
رجلاً يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له،
وكأن الرجل يتقالها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ
الْقُرْآنِ). ورواه أبو داود
والنسائي.
(حديث
آخر) روى البخاري
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه
(أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ
فِي لَيْلَةٍ؟)، فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك
يا رسول الله؟ فقال (اللهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ
الْقُرْآنِ) تفرد بإخراجه
البخاري.
(حديث آخر
في كون قراءتها توجب الجنة) روى الإمام مالك بن أنس عن عبيد بن حنين قال: سمعت أبا هريرة يقول:
أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلاً يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (وَجَبَتْ – قلت: وما وجبت؟ قال:
الْجَنَّةُ) ورواه الترمذي والنسائي من حديث بن مالك،
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث مالك، وتقدم حديث (حُبُّكَ إِيَّاهَا أّدْخَلَكَ الْجَنَّةَ).
(حديث في تكرار قراءتها) روى عبدالله بن الإمام أحمد عن معاذ بن
عبدالله بن خبيب عن أبيه قال: أصابنا طش وظلمة فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي بنا، فخرج فأخذ بيدي فقال (قُلْ) فسكتُّ. قال (قُلْ)، قلت: ما أقول؟ قال ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبحُ ثَلاَثاً، تَكْفِكَ كُلَّ
يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ). ورواه أبو داود والترمذي والنسائي
وقال الترمذي: حسن غريب. وقد رواه النسائي من طريق أخرى، ولفظه (تَكْفِكَ كُلَّ شَئٍْ).
(حديث آخر) في الدعاء بما تضمنته من الأسماء. روى النسائي عند تفسيرها، عن
عبدالله بن بريدة عن أبيه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا
رجل يصلي يدعو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا
إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. قال (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ
سَأَلَهُ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ، الَّذِي إِذا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ
بِهِ أَجَابَ) وقد أخرجه بقية أصحاب السنن، وقال
الترمذي: حسن غريب.
(حديث آخر) في الاستشفاء بهن، روى البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، وقرأ فيهما
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
النَّاسِ} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما
على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. وهكذا رواه أهل
السنن.
:: المصدر ::
المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير
للإمام
إسماعيل بن عمر بن كثير
رحمه الله