الحمد لله والصلاة على رسول الله وبعد أخواني الكرام كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك وتقبل الله منا ومنكم الصالح من الأعمال ...
وأقول موصياً نفسي وإخواني بما أوصاه الله لنبيه وعباده (( أن اتقوه )) فإن تقواه أفضلُ زاد ، وأحسنُ عاقبةٍ في معاد ، واعلموا أن الدنيا مِضْمَارُ سِباق ، سبق قومٌ ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا ، فرحم الله عبدًا نظر فتفكر ، وتفكر فاعتبر ، وأبصر فصبر ، ولا يصبر على الحق إلا من عرف فضله ، ورجا عاقبته { إِنَّ الْعَـاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }
أحبتي الكرام في الأيامِ القليلةِ الخاليةِ قضى الحجاجُ عبادةً من أعظم العبادات ، وقربةً من أعظم القربات ، تجردوا لله من المخيطِ عند الميقات ، وهلتْ دموع التوبةِ في صعيد عرفاتٍ على الوجنات ، خجلاً من الهفوات والعثرات ، وضجتْ بالافتقار إلى الله كلُ الأصواتِ بجميع اللغات ، وازدلفتِ الأرواحُ إلى مزدلفةَ للبَيَات ، وزحفتِ الجموع بعد ذلك إلى رمي الجمرات ، والطوافِ بالكعبة المشرفة ، والسعيِ بين الصفا والمروة في رحلةٍ من أروع الرَحلات ، وسياحةٍ من أجمل السياحات ، عادَ الحجاج بعد ذلك فرحين بما آتاهم الله من فضله { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } فإلي كل من حج البيت العتيق
يا حجاج بيت الله .. هل تدرون أي نعمة حصلتم ؟ وأي خير أدركتم ؟ حينما خرجتم حجاجاً إلى بيت الله الحرام .
يا حجاج بيت الله .. هل تعلمون أي فضل نلتم عندما رحلتم لأداء هذا العمل العظيم ؟
يا حجاج بيت الله .. هل تشعرون بمعنى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة "
يا حجاج بيت الله .. لو تعلمون معنى قوله تعالى : " يومئذ تحدث أخبارها " فتذكرون خطواتكم وممشاكم بين تلك الفجاج والوهاد تصدحون بأجمل كلمة خرجت من الأفواه ( لبيك الله لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك )
يا حجاج بيت الله ..
ما جزاء المنعم عليكم ؟ وما صنيع الشاكر منكم ؟
كان وهيب بن الورد - رحمه الله - يسأل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه ،
فيقول : تسألوا عن ثوابه ! ولكن سلوا ما الذي على من وفِّق لهذا العمل من الشكر ، للتوفيق والإعانة عليه ؟!
إذا أنت لم تزدد على كل نعمة ## لمؤتيكها شكراً فلست بشاكر
إذا أنت لم تؤثر رضا الله وحده ## على كل ما تهوى فلست بصابر
قال ابن رجب - رحمه الله - في قوله تعالى : " اعملوا آل داوود شكراً " :
( قال بعض السلف : " لما قيل لهم هذا ، لم تأت عليهم ساعة إلا وفيهم مصلّ " ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورم قدماه وقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً ".. وكان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهارها صائماً ، ويجعل صيامه شكراً لله للتوفيق للقيام)
يا حجاج بيت الله .. اللــه اللــه أن تعودوا لسـالف عهدكم ، وليرى اللــه منكم شكراً حقيقياً على هذه النعمة التي خصكم بها وحُرم منها أمم من الناس .اللــه اللــه في الصدق مع اللــه ، ونصرة دين اللــه ، ومراقبة الله في خلواتكم وجلواتكم ... لا تجعلوا الرحمن أهون الناظرين إليكم .. فإن اللــه يغار وغيرته أن تؤتى محارمه ، وتذكروا أنه ليس بين الله وبين أحد منكم نسباً ، وقد قال عن أحب خلقه إليه : " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين" وحاشاه عليه الصلاة والسلام
يا حاج بيت الله ابيضــــت الصحيفة فــــــلا تسودها
وظننا بربنا . . . . أنه قد غفرالذنوب وستر العيوب وأقال العثرات . إنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة .
ومن أحسن الظن أحسن العمل .
قال الحسن البصري رحمه الله : ( إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل ) .
ولهذا لا يليق بمسلم بعد أن ابيضت صحيفته أن يعود لتسويدها .
وبعد أن زكت نفسه بالطاعة أن يدنسها بالمعصية .
فعلينا جميعا أن نبدأ صفحة جديدة مع الله نطيعه ولا نعصيه حتى نفوز برضوانه وجنته
قال تعالى : " ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً " ..
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
غير الجاج له من الفضل أنه يصوم يوم عرفة
وهو اليوم التاسع من ذي الحجة ، وقد أجمع العلماء على أن صوم يوم عرفة
أفضل الصيام في الأيام ، وفضل صيام ذلك اليوم ، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال :" صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " رواه مسلم "
فصومه رفعة في الدرجات ، وتكثير للحسنات ، وتكفير للسيئات .
فيا عبد الله ابيضــــت الصحيفة فــــــلا تسودها