وأينَ ضياءُ الشَّمسِ مِنْ نُوره؟!
. .
. .
إنَّه نورُ الله الذي أخفى نورُه كلَّ ما كان يسمَّى نُورا، وأزال ومحى كلَّ ما سواه فجعله هباءاً منثورا، وأشرق فجرُه على دُجَى الظُّلمات فأضحتْ سراجاً منيرا، خاطب عقول الناس وقلوبهم وجاء إليهم هادياً ومبشِّراً ونذيرا، فأنكر على مَنْ يتخذون مِنَ الآلهة مَنْ لا يملكون لأنفسهم موتاً ولا حياة ولا نشورا، وقص علينا من أخبار الأمم من كذبوا وعصوا ربَّهم فأهلكهم وتَبَّرهم تتبيراً، فكيف لعاقل بعد هذا أن يتخذ القرآن مهجورا..
وأينَ ضياءُ الشمس مِنْ نُور القرآن، وأين جمال القمر مِنْ جمال معناه وبديع وَصْفِه، وحُسن سَبْكه وانسجام رَصْفِه، فطوبى لمن اغترف من غرْفه، واستنشق من عبيره وطِيب عَرْفه، فهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأين فصاحة العرب وبلاغتهم مِنَ القدرة على الإتيان بأقصر سورة منه..
فالقرآن نور يضيء القلب حتى ينعكس ضوؤه على كلِّ تصرف يفعله، يميِّز بنوره ما يضره مما ينفعه، ويعرف به ما يخفضه وما يرفعه..
فلا ريبَ أنْ يموت قلب مَنْ لا ينهل مِنْ معينه، ولا يتعرض لشمسه وأنواره، ولا يستمسك بحبله المتين.
وإذا كان الناس جميعهم لا يستطيعون أن يستخرجوا من البحر كلَّ ما فيه من موارد ولآلئ ودرر، ولكن يأخذ كلٌّ منه ما يستطيع، فكيف ببحر العلوم والمعارف، وبحر الفضائل واللطائف..
بحرٌ ولكنَّهُ بالدُّرِّ مُنفَرِدٌ ... والبَحرُ يُجمَعُ فيهِ الدُّرُّ والرَّبَدُ .
وأين البحر في طغيان مائه، وهدير أمواجه، من وعيد القرآن وزجره، وتهديده وتخويفه..
كالغَيثِ فِيهِ للطُّغَاةِ زَلازِلٌ ... ولمن يُؤَمِّلُه الزُّلالُ البَارِدُ
وأين ما يخفيه البحر من أمور عظيمة، وما يكتنفه من أسرار وخبايا جسيمة، من خفايا القرآن وأسرارِه، وعظمةِ معانيه وبريقِ أنوارِه..
بحرٌ ولكنَّهُ صَافٍ مَوَاهِبُهُ ... والبَحْرُ تَلقَى لَدَيهِ الصَّفْوَ والكَدَرَا
وأين عمق البحر من عمق معناه، وأين عظمته من عظمة مبناه، وأين روعته من روعة محياه، فرحماه ربنا على تقصيرنا فيه رحماه ..
لماذا أنزل الله عز وجل علينا كتابه العظيم؟
لقد أجاب الله سبحانه عن هذا بقوله: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} ، وقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}، وقال: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
فمن أراد رحمة الله ورأفته فليتبع هذا القرآن ليخرج به من الظلمات إلى النور، من ظلمات الحيرة والشك إلى نور الثبات واليقين، ومن ظلمات الضلال والانحراف إلى نور الهدى والاستقامة، ومن ظلمات الباطل إلى نور الحقِّ المبين.
فإن القرآن يهدي إلى سُبُل السَّلام، وهي طرق النجاة والسلامة ومناهج الاستقامة، وهو سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه، وابتعث به رسله، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملاً إلا به.
(وما أدقَّ هذا التعبير وأصدقَه، إنَّه «السَّلام» هو ما يسكبه هذا الدين في الحياة كلِّها، سلام الفرد، وسلام الجماعة، وسلام العالم، سلام الضمير، وسلام العقل، وسلام الجوارح.. سلام البيت والأسرة، وسلام المجتمع والأمة، وسلام البشر والإنسانية.. السلام مع الحياة، والسلام مع الكون، والسلام مع الله رب الكون والحياة.. السلام الذي لا تجده البشرية - ولم تجده يوماً - إلا في هذا الدين وإلا في منهجه ونظامه وشريعته، ومجتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته) ..
والسَّلام هو الله عزَّ وجلَّ، فالقرآن يهدي إلى معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، والطريق الموصل إلى رضوانه.