بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اهدني وسددني
زوجي لا يصلي
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، أنا امرأة متزوجة من سنة وأشهر من أحد أقاربي، وقد تم زواجنا عن رغبة واختيار من الجميع، علماً أني محافظة على صلاتي، وملتزمة بحجابي، لكني أتساهل في مشاهدة المسلسلات، وأسمع الأغاني أحياناً، وزوجي من أسرة محافظة، ومعاناتي بدأت معه حين اكتشفت أن زوجي لا يصلي إلا إذا جاءنا أحد من أهله، أو قلت له صل فيخرج ولا أعلم يصلي أو لا، أنا الآن أشعر بغربة معه وقد ابتعدت عن أهلي في مدينة لا أعرف فيها أحد، مع أن زوجي طيب وعلى خلق، ولا يقصر معي في أي شيء، ولكن تقصيره في الصلاة نفَّرني منه، وأصبحت أشعر أني سأكون مثله، مللت المسلسلات، وعندما أختار قناة محافظة يستهزئ بي، وهو دائما يستفزني في مسألة أهل الدين لأني أحثه على الصلاة، فما الحل؟ أنا لا أريد الطلاق، ولا أريد أن أكرهه، ولا أريد أن انتكس وأترك الصلاة وتهون عندي بسبب كلامه.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
أختي الفاضلة: شَكَرَ اللهُ لك هذا الحرص على الصلاة، الذي يدل دلالة واضحة على محبتك لله- تعالى-، وخوفك منه.
كما أُثني الشكر على حرصك على زوجك، وبيتك، وحمل هم صلاحه، ونجاته مما هو فيه من أمر خطير.
أما بالنسبة لاستشارتك ومعاناتك مع زوجك الذي يهمل الصلاة ويقصر فيها فإني أوصيك وأشير عليك بما يلي:
أولاً: أن تعلمي علم اليقين أنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وأن من يتجرأ على ترك الصلاة فإنه على خطر شديد، حيث ثبت عنه r أنه قال:« الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» أخرجه أحمد(38/20)، والترمذي (2621)، وابن ماجه(1079)، وصححه الألباني في المشكاة وغيرها(574)، فهذا وعيد شديد لمن ترك الصلاة، وكذلك جاء الوعيد في القرآن الكريم لمن ترك الصلاة فقال الله تعالى:] فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ # الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [ [الماعون:4- 5 ].
ثانياً: يجب عليك أن تصبري عند نصحه للصلاة، وعليك أن تعلمي أن صبرك على دعوته من صفات أهل الإيمان والصلاح، وأنت بذلك مقتدية بالنبي r الذي أمره الله U أن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها يقول الله تعالى:]وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [ [طه:132]، وذكر من صفات إسماعيل – عليه السلام – أنه كان يأمر أهله وقومه بالصلاة قال الله عنه: ] وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً [ [مريم:55]، فهذه صفات الأنبياء - عليهم السلام – التي امتدحهم الله بها، فاحمدي الله أن هداك لسلوك سبيل الأنبياء، والاقتداء بهديهم.
واعلمي أن من لوازم الصبر على الطاعة الصبر على ما يترتب على تلك الطاعة، فعند إنكار المنكر يستلزم الصبر على ما يترتب عليه ذلك الإنكار من تحمل ما يصيب العبد في ذلك، وهذا متقرر، فقد قرره الله في القرآن كما قص الله علينا من نبأ لقمان وابنه، يقول الله - تعالى -:] يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ[ [لقمان:17]، فتأملي في هذه الآية: قيام بالطاعة، ثم أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ثم صبر على ما يلاقيه الآمر من الأذى بعد ذلك فعليه بالصبر فإنه من عزائم الأمور، فإن من لوازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الغالب أنه يتبعه أذى، فناسب أن يوصي ابنه بالصبر على الأذى بعد الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثاً: كوني قدوة صالحة له، فاجعليه يراك وأنت تقومين للصلاة عند الأذان مباشرة، وترك ما في يدك، ودعوته بدون الإكثار عليه، ودعيه يجد الحرج منك في هذا الجانب، فإن بعض الناس كانت هدايتهم بسبب الحياء، والحياء من الإيمان، وهو لا يأتي إلا بخير كما ثبت بذلك الخبر عن سيد البشر r، وعليك أن لا تفرطين في هذا الأمر، وأشعريه دائماً بتألمك على نفسك بتفويت السنن الرواتب، وتأخير الصلاة إن فاتت، وذلك بدون أن تنكري عليه مباشرة ما دام أنه ينفر منك عندما تنكرين عليه.
رابعاً: استغلي ساعات الصفاء مع زوجك في إيصال ما تريدين لزوجك، وخاصة أنه كما ذكرت ذو طيبة وخلق، ويكون ذلك بنبرة هادئة يظهر فيها المحبة والشفقة عليه، ويكون نصحك في تلك الساعة بتذكيره بخطورة ترك الصلاة والتهاون فيها، وأن تركها مطلقا يؤدي إلى الكفر، ولو مات على ذلك لكان مستوجباً العقوبة من الله تعالى، وكذلك خطورة الاستهزاء بالدين وأهله، وأن ذلك سبيل إلى بغض الدين وأهله، ومن ثم بغض الله ورسوله مما يُعرض العبد بعد ذلك لمقت الله وغضبه، وحرمانه من سعادة الدنيا والآخرة.
وعليك أن تركزي على باب القصص، فتقصي عليه من قصص المفرطين في جانب الصلاة وكيف كانت نهايتهم، وكذلك قصص الصالحين وكيف كانت خاتمتهم.
خامساً: راسليه برسائل التذكير والنصح على هاتفه من وقت لآخر، واحرصي على الرسائل القصيرة المؤثرة.
تنبيه: عليك قبل أن ترسلي له رسائلك أن تتأملي في شخصيته، وطريقة حواره، وهل هو عقلاني بحيث يريدك أن تقنعيه بالعقل، أو هو عاطفي تؤثر فيه العاطفة، فعند تحديدك لشخصيته تكون الرسائل، والنقاش معه بناء على ما يحبه في طريقة الحوار.
سادساً: لو استطعت أن توصلي ما هو فيه من تكاسل عن الصلاة لأحد العقلاء من أهله من أهل الديانة، بحيث يكون له معه نصح وتذكير؛ بشرط أن لا يعلم بما حصل منك من إيصال خبره لقريبه.
سابعاً: لو كان ممن يحب سماع الأشرطة أو القراءة، فاحرصي على أن تحضري له الكتيبات النافعة وخاصة في باب الصلاة، وباب التذكير باليوم الآخر.
ثامناً: لو استطعت أن توجدي له صحبة صالحة بحيث تتعرفين على زوجة أحد الصالحين أو المحافظين، وتطلبينهم الزيارة بالتنسيق مع زوجته بحيث يهتم زوجها به ويذكره بالله ويحثه على الخير لكان ذلك مما يعينك.
تاسعاً: إذا جاء وقت الصلاة حاولي أن تجهزي الطيب لتطييبه، وما يحتاج من ثيابه، وقد يتفاجأ في أول الأمر؛ لكن سيعتاده منك، بحيث تقولين له: أنت ستذهب لأعظم عبادة فما أجمل أن تخرج وأنت متطيب ومتزين للصلاة، هذا مما يدفعه، ولا تحزني لو رده مرة أو مرتين فمع الأيام سيعتاد عليه وهذا أمر بالصلاة بطريقة غير مباشرة.
أخيراً: كثرة الدعاء واللجوء إلى الله – تعالى – أن يهديه وأن يرده إليه رداً جميلا، وهذا من أنجع الأبواب طرقاً لصلاح حاله وحالك، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدر زوجك للهداية والصلاة، وحبة الصالحين والقرب منهم، وأن يعينك على أمور دينك ودنياك، والله - تعالى - أعلم وأحكم، ورد العلم إليه أسلم.
وكتبها الفقير
إلى عفو سيده ومولاه
د.ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان
صيد الفوائد/المصدر