ذهب مع الريح - في العراق
كل هذا الفساد الكبير الذي يتحدثون عنه في مصر والذي تكشف عنه الصحافة المصرية كل يوم ليس أكثر من "بابا غنوج" في مأدبة الفساد العراقية العامرة بما لذ وطاب.
لقد أعلنت الولايات المتحدة الأميركية بعون المارينز انتهاء مرحلة إعادة إعمار العراق وأن الأوان قد آن للشركات الأميركية لقطف ثمار العنب ... والبطيخ والتمر والخوخ والخيار الاستراتيجي. فها هو العراق يرقص حافياً على كلمات وإيقاعات موسيقى "الراب" بعد ثماني سنوات من الفوضى الخلاقة وإبداع المفكر اللوذعي، جورج بوش الابن، وصلوات الرئيس المؤمن، باراك أوباما، والضحكات الساحرة لهيلاري كلنتون.
لقد وصل العراق إلى نهاية الفيلم الأمريكي بفضل كونداليزا رايس ورامسفيلد وبريمر ونعوش خمسة آلاف عسكري أمريكي وتوابيت مليوني مدني عراقي ومليون أرملة وأربعة ملايين يتيم وخمسة ملايين لاجئ في الداخل والخارج وعشرة ملايين عاطل ومائتي ألف معتقل.
كان ذلك فيلما سينمائياً مليئاً بالأكشن؛ قتل بلا حساب ولا كتاب؛ صورايخ وطائرات ودبابات وهامرات وقنابل ورصاص وحرائق ودمار واغتيالات وحب وغرام تحت القصف على طريقة كلارك غيبل وفيفيان لي في ملحمة "ذهب مع الريح".
لكن "ذهب مع الريح" في العراق ليست "ذهب مع الريح" في أمريكا. ففي الفيلم العراقي أبطال ماهرون في فنون الدمار والفساد والقتال من الكاراتيه والجودو إلى اللعب على الحبال.
انتهت مرحلة إعادة الإعمار٬ إذن٬ كما قالت هيلاري كلنتون، وزيرة الخارجية الأميركية في منتدى الأعمال الخاص بالعراق الذي عقد في واشنطن قبل أيام.
وكل مواطن عراقي اليوم يجد بنفسه عمليات إعادة الإعمار قائمة على قدم وساق بدءاً بالكهرباء التي سلقت آباء وأجداد كل عراقي في جهنم الصيف٬ وانتهاء بمياه الشرب الملوثة والعمارات التي ما زالت منهارة منذ بدء الحرب والخدمات العامة المعدومة والبطالة الشائعة والأمن المفقود والفساد المستشري. وفي كل عام يفوز العراق بكأس العالم في الفساد. مليارات الدولارات المفقودة تسجل جرائمها ضد مجهولين رغم أنهم معلومون وفي السلطة وفي الأحزاب الحاكمة.. بل وفي مجلس النواب.. بل وفي لجان مكافحة الفساد!
أتتذكرون اللص الذي سرق سيارة رئيس مكتب مكافحة سرقة السيارات في مسرحية "مدرسة المشاغبين"؟ يحدث أكثر من هذا في بغداد في ظل الاحتلال الأمريكي:
تفجير سيارة رئيس مكتب مكافحة تفجير السيارات! أفراد حماية نائب رئيس الجمهورية يسرقون ليلاً خزينة بنك الرافدين! ولا حساب ولا عقاب. اكتشاف سرقات كبرى في أموال الأوقاف! فقدان النزاهة في هيئة النزاهة! اتهام أعضاء التفتيش عن الفساد بالرشوة! بل إن رئيس الوزراء شخصياً أطلق سراح وزير التجارة، فلاح السوداني، المتهم بالفساد وكلف مجموعة أمنية بإيصاله سالماً إلى المطار وتهريبه بإحدى طائرات الخطوط الجوية العراقية التي أعلنت أفلاسها هرباً من ديون الكويت حيث وصل سالماً إلى بريطانيا التي يحمل جنسيتها! ووزير التربية السابق الذي خرب التربية في العراق، خضير الخزاعي، والذي شتمه السيستاني بالاسم، وتوقع كثيرون أن عقاباً أرضيا سينزل به عضلا عن عقاب الله يوم القيامة، أصر دولة رئيس الوزراء على تحويله من وزير للتربية إلى نائب لرئيس الجمهورية, وقام الرئيس الطالباني بتخويله الأحد الماضي بموضوع التوقيع على أحكام الإعدام في العراق.
وهؤلاء الذين تجري النيابة المصرية تحقيقاتها معهم بتهمة الكسب غير
المشروع من أمثال أحمد عز، يُعدّون "امجادي"[شحاذين] بالنسبة لحكام العراق الحاليين بدءاً برأس الهرم ونزولا إلى الحضيض. شيء لا يتصوره العقل. تصورواً أن محافظة واسط لا تستطيع اليوم تقديم أي خدمات للسكان لأن ميزانيتها كلها تم توزيعها على أعضاء مجلس المحافظة والمجالس البلدية.. ونصف أعضاءها من رجال الدين المعممين! وأكثر من هذا فإن الصحف العراقية الحكومية أعلنت أن محافظة النجف الدينية احتلت المركز الأول في الفساد في العراق!
مبروك! انتهت مرحلة إعادة إعمار العراق.. ووجهت هيلاري كلنتون الدعوة إلى الشركات الأمريكية للهرولة إلى العراق للحصول على عقود تجارية بمليارات الدولارات.. وعلى رأي المثل المصري: وإن خلص الفول... أنا مش مسؤول!