شخص محبوب المدير العام
الـــعمر : 36
الـــــبــلـد : الجـــنس : المساهمات : 1410
| موضوع: أسباب المغفرة في القرآن الكريم 11/09/11, 06:38 pm | |
|
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمامنا وقرة أعيننا محمّدٍ عبدِ الله ورسوله الأمين , وعلى السادة من آل بيته الطاهرين والهداة من صحابته الراضين المرضيين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فإنَّ كتاب الله تعالى قد حوى أسباباً وطرائقَ يستحق العاملون بها وسالكوها –إن شاء الله- مغفرةَ الله وتجاوزه لهم عما كان من معصية وإسراف , وقد كنتُ في أثناء الدراسة في الكلية قبل سنوات قليلة , ممّن حظي بالتتلمذ على فضيلة الشيخ الدكتور/ حسن بن أحمد بلغيث العُمَري عضو هيئة التدريس بكلية القرآن بالجامعة الإسلامية, وهو الذي أرشدنا إذ ذاك إلى أهمية تتبُّع الأسباب عموماً في القرآن (أسباب الهداية – المغفرة – النصر – السعادة – العلم – صلاح الأبناء – التأثير في المدعُوِّين ...) الخ, وأنبأنا أنَّّ جمعها واستقراءها في القرآن يعود بالنفع العظيم على الناس, وقد كنتُ منذ فترة أن أدوِّنَ ما أظنه سبباً من أسباب المغفرة ,مع أنا فيه من فتور وقصور همة وما أنا مقيمٌ عليه من ذنوب تحول بيني وبين فتح الله عليَّ بالوصول لما أريد , ولذلك لم أورد هذه الأسبابَ مرتبةً حسب ترتيب ورودها في آي القرآن , بل كتبتُ ما عنَّ لي منها فحسب وهو بلا شكٍ أقل بكثيرٍ ممَّا فات عليَّ ممَّا سيستدرك به الأحبة,وأردت بعرضها هنا في هذا الملتقى العامر استنصاحَ المشايخ الأجلاء وتصويبَـهم لهذه الكلمات ,التي أسأل الله أن يكتب لي بها النفع والانتفاع. وإن كنتُ أحبُّ التنبيه إلى أنَّ بعض من غلبوا رجائهم على خوفهم من الله وهم سامدونَ فإذا ذكَّرت أحدهم بالله وخوَّفته واجهك بأنَّ الله يقول (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ) ونسي أو تناسى تمام الآية ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ) وعليه فإن على الداعية أن يوازن بين المواقف وأحوال مَدعُوِّيه ويذكر إلى جانب سعة رحمة الله أنه شديد العقاب يمهل ولا يهمل وأنَّ أخذه - لمن لم يستح منه - أليم شديد.
1-أعظمُ ما تُنال به مغفرة الله تعالى التقربُ إليه بالإيمان به والاستسلام التام له والعمل الصالح على وفق ما شرعَ ومن قام لله بالإيمان وتقرّب إليه بصالح العمل فهو موعود من الله بالمغفرة والرضوان بقول الله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) ومن أصدق من الله قيلاً.! قال تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) والجنَّة دارٌ لا يدخلها ولا يُبَشَّر بها إلا من رضي الله عنه وغفر له , ونظائر هذه الآية الدالة على حميد مآل المؤمنين الذين صلحت أعمالهم وخلُص إيمانهم كثيرة جداً في القرآن. وهذا السببُ متضمِّنٌ كلَّ ما يلي من أسبابِ المغفرة في القرآن.
2- ومن أهمِّ موجبات المغفرة وأجمعِها هو طلبُ المغفرة من الله بالاستغفار وفي ذلك يقول تعالى (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ويقول تعالى (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) والقرآن دلَّ على أنّ من استغفر الله تائباً وعازماً على ترك الإصرار على المعصية فسيتجيب الله دعائه ويغفر له قال الله تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) وهذا وعدٌ من الله لا يتخلف ولا يتبدل ومن أوفى بعهده من الله .؟ وليس من حرجٍ في كون الإنسانِ يذنبُ ويستغفر لكنَّ الحرجَ كلَّ الحرج في تركه لهذه العبادة الجليلة الموجبة لرضوان الله تعالى . ولذلك وصف ربنا سبحانه المتقين الذين أُعِـدَّتْ لهم الجنةُ في أكثر من موضع في القرآن بكثرة استغفارهم وأثنى عليهم بأنهم يستغفرون الله إذا غفلوا وعصوا فيتطهرون باستغفارهم مما لحقهم من أدران المعاصي ومن ذلك قوله تعالى (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) وقوله (أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) وبيَّن الله أنه يغفر لهم جزاء استغفارهم وتوبتهم إليه قال الله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ).
3-ومن أسباب المغفرة: أ – وجل القلب من ذكر الله تعالى . ب- ازدياد الإيمان بسماع القرآن.
جـ- التوكل على الله. د- إقام الصلاة هـ- الإنفاق في سبيل الله.
فهذه الصفات الخمس من اتصف بها مجتمعةً كان مؤمناً حقاً كما نصَّ الله على ذلك في كتابه بقوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
مع أنَّ القرآن نصَّ على مغفرة الله لمن اتصف ببعضها كالإنفاق في سبيل الله فقد قال اللهُ فيه (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)
4-ومن أسباب المغفرة في القرآن تقوى الله بفعل مأموراته واجتناب محارمه ومحظوراته , قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وقال سبحانه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرً) .
5-ومن أسباب المغفرة في القرآن الإسلامُ بعد الكفرِ قال الله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) فكلُّ من دانَ بدين الإسلامِ فإنَّ الله يغفر له ما كان منه قبل إسلامه وفي مسند الإمام أحمدَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنَّ الإسلامَ يجُبُّ ما كان قبله من الذنوبِ) وفي الحديثِ أنَّهُ أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: أرأيت من عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها فهل لذلك من توبة.؟ قال: صلى الله عليه وسلم: فهل أسلمت قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن. قال وغدراتي وفجراتي.! قال صلى الله عليه وسلم: نعم قال: الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى .رواه الطبراني والبزار وصححه الألباني رحم الله الجميع
6-ومن أسباب المغفرة في القرآن كذلك الاستقامة بعد الضلالة والتوبة بعد العصيان, فالتوبة كذلك تجُب ما كان قبلها قال تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) فمن تاب لله تاب الله عليه مهما أسرف وشطَّ , والتائبُ على الله مغفورٌ له بدلالة الآية السابقة وغيرها من آيات القرآن كقول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) و (عسى) حيثما جاءت في القرآن فهي متحققة الوقوع بخلاف (لعلَّ).
بل لا أدلَّ على كرم الله وحلمه بعباده من أنَّ تائبَهم إذا قبِل اللهُ توبتَه جعلَ معاصيه وفجراته السابقةَ حسناتٍ ترتفع بها درجاتُه وتكثر بها حسناتُه ذلك أنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر الله حسرةً منه على ماضيه وغفلته، فينقلب الذنب السابقُ طاعةً لله تعالى بهذا الاعتبار , قال الله تعالى (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
7-ومن أسباب المغفرة في القرآن حرصُ المسلمِ على أن لا يقترف كبيرةً من كبائر الذنوب التي جاء الوعيد من الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو منهما في مرتكبها على القول بانقسام الذنوب إلى صغائرَ وكبائرَ , قال الله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) وصغائر الذنوب لا يسلمُ منها أحدٌ مهما بلغ من الإيمان والطاعة لله لأنَّ من اجتمع له ترك الصغائر والكبائر بالكلية فهو معصومٌ,ولا عصمة لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وفي السنَّة النبوية جاء ما يدل على أن من اجتهد في مجانبة الوقيعة في كبائر الذنوب أن الله يتجاوز له عن صغائرها كما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال « الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر » وقال صلى الله عليه وسلم في الصحيح كذلك « ما من امرىء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة وذلك الدهر كله »
8-ومن أسباب المغفرة في القرآن العفوُ عند المقدرة والتمكنِ من مصالح عباد الله كما جاء في قصة الإفك لما حلف الصديق رضي الله عنه ألا ينفع مِسْطَح بن أثاثة رضي الله عنه بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال مما أشاعه المنافقون فأنزل الله تعالى قوله (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فمن عفا عن عباد الله عفا الله عنه ومن يسَّر عليهم يسَّر الله عليه , ولذلك أدرك الصديقُ هذا السبب فأرجع نفقته على مسطح وهو يقول مجيباً لله تعالى: بلى، والله إنا نحب يا ربنا أن تغفر لنا.
9-ومن أسباب المغفرة في القرآن السبقُ إلى الطاعات عموماً , فإن الله يحب التنافس في السبق على مرضاته كما قال (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)ولا يكون التنافس فيه إلا بالتسابق في الطاعة ,ودليل هذا السبب أنَّ مؤمني بني إسرائيلَ لمَّـا هددهم فرعونُ بالتقتيل والتمثيل بهم حكى الله عنهم أنهم قالوا له ( إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) فبنوا طمعهم في مغفرة الله تعالى لهم على سبقهم إلى الإيمان وكونهم أولَ المؤمنين.
10-ومن أسباب المغفرة في القرآن الاعترافُ بالذنب والتذلل لله وصدق الضراعة له فإنّ موسى عليه السلامُ حينَ قتل الرجلَ ندمَ على قتله وتضرَّع إلى الله معترفاً بذنبه فقال الله عنه(قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
11-ومن أسباب المغفرة في القرآن السدادُ في القول مع تقوى الله وذلك بأن لا يقول المسلمُ إلا حقاً وعدلاً ولا يشهد بما لا علم له به ولا يفتي بما يجهله ولا يرمي أحداً بزور ولا يأتي شيئا من منكر الأقوال عموماً فمن اتقى الله وعمل بذلك فقد وعده الله بالمغفرة بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)
12-ومن أسباب المغفرة في القرآن صدقُ المراقبة لله وتعظيمُه بحيث لا يؤثر في العبد اجتماعه بالناس ومراقبتهم له وتطلعهم إليه أوخلوُّه بمحارم الله وأمنُه من نظر الناس إليه ,فالأمرانِ سيَّان عنده إذ هو يخشى ربَّ الناس ولا يبالي بالناس , ومن كان هذا حالَه فإن الله بشَّره بالمغفرة والجر الكريم يومَ قال (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَر يمٍِ) وأعاد له الوعدَ بالمغفرة بقوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وعلى النقيض من ذلك من كان همُّهم رضى الناس وما يقول الناس , فما يخلو احدهم لله بحرمة إلا انتهكها على أقبح وجه , ويجعل الله جزاءهم من جنس عملهم كما صحَّت بذلك السنة فتأتي حسناتهم يومَ القيامة أمثال الجبال كما كانت مظاهرهم في الدنيا أمام الناس ثمَّ يأمر الله بها فتكون هباءً منثوراً كما فعلوا هم بالتدين والخشية التي نزعو قناعها في خلواتهم , ولا يظلم ربك أحداً.
13-ومن أسباب المغفرة في القرآن الاستجابةُ لداعي الله في أزمنة إعراض الناس واجتماع كلمتهم على الكفر والفسوق , وهذه هي غربة الدين , كما في قصة القرية التي بعث الله لها ثلاثة الرسل فما زادتهم زيادة عدد الرسل إليهم إلا إمعانا في الغواية واجتماعا على الكفر , فجاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى يصدع بإيمانه بهم ويدعو قومه إلى ذلك فجعلوا يرجمونه بالحجارة حتى لقي الله شهيداً فقال الله عنه (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ *بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)
14-ومن أسباب المغفرة في القرآن اتباعُ السنة النبوية والعضُّ عليها سيَّما في أزمنتا هذه التي انتهج كثيرٌ من المسلمين منهجَ نبذها من حياتهم وممارساتهم اليومية مكاناً قصياً , قال الله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فاتباع السنةالنبوية والالتزام بها مجلبةٌ لمحبة الله تعالى للمستنِّ بها ومحصِّلٌ للمغفرة.
15-ومن أسباب المغفرة في القرآن إصلاحُ العَبد باطنَه وسلامة مقاصده ونواياهُ بحيث لا يبطنُ إلا خيراً ولا يريد وينوي بفعل أو قولٍ أو إشارةٍ على أحد أو رأيٍ إلا الخيرَ , ومن اطَّلعَ الله من باطنه على هذا فلم يرَ فيه إلا كمالَ المقصد وخلوص الطوية فقد أفلح وأنجحَ قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
16-ومن أسباب المغفرة في القرآن أنّّ المسلمَ إذا مرَّت به محنة أو وقع في فتنة فعاد إلى الله واستعان بالاستغفار على محنته تلك وأناب إليه فإن الله يغفر له قال الله تعالى عن داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) فكان حاله عليه السلام بعد التوبة أحسن منه قبلها بسبب إنابته وضراعته إلى الله ,والتعبير بالفاء في قول الله (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ) له دلالته التي لا تخفى في أن التوبة عليه كانت عقبَ استغفاره وإنابته مباشرة.
17-ومن أسباب المغفرة في القرآن أن يرجع الوليُّ وقيِّمُ الأسرة وربُّها عن عقوبة الزوج والولد إن هو همَّ بذلك وعزم عليه قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإنَّ من تأخَّر عن الهجرة من الصحابة لمَّا جاءوا إلى المدينة ورأوا غيرهم قد فقه في دين الله همُّوا بمعاقبة أهليهم الذين كانوا سبببا في قعودهم وتأخرهم عن اللحاق بالمهاجرين فنزلت هذه الاية لتخبرهم بأن الله سيعاملكم في حال صفحكم عنهم ومغفرتكم لزلتهم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم بمغفرته لكم ويجعل جزائكم من جنس عملكم مع أهليكم وأولادكم .
18-ومن أسباب المغفرة في القرآن الفيئةُ عن الإيلاء قبل الأجل المحدود وهو أربعة أشهر قال الله تعالى (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فنصُّ الاية يدلُّ على أنَّّ الله يغفرُ للمُولي بفيئته.
19-ومن أسباب المغفرة في القرآن الأدبُ مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلمَ بغضِّ الصوتِ عنده حياً , وعند قبره بعد موته صلوات الله وسلامه عليه , فتلكم أمارةٌ صادقة على تقوى المتخلِّق بهذا الأدب الرفيع ,وهي موجبة لمغفرة الله والأجر العظيم , قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) فدلالة الآية على غضِّ الصوت عنده في حياته تامة الظهور , وأمَّا بعد موته صلى الله عليه وسلمَ فقد نصَّ العلماء رحمهم الله على أنَّه محترمٌ حياً وميتاً , وأنّ حرمة رفع الصوت بجوار قبره كحرمة رفعه بحضرته في حياته , ولا أدلّ على ذلك من فعل عمر رضي الله عنه , ذلك أنه كما روى البخاري رحمه الله سمع صَوت رجلين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما، فجاء، فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: مِن أين أنتما؟ قالا من أهل الطائف. فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا.
20-ومن أسباب المغفرة في القرآن إعادةُ الحقوق والمظالم إلى أهلها واستسماحهم , فإنَّ إخوة يوسف لما اعترفوا بخطيئتهم وقالوا (تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) جعل الله جزاء اعترافهم هذا أن قابلهم يوسف عليه السلام بحلمٍ لا يُدرَك , فعفا عنهم وصفح بلا ملامة ولا عتاب ولم يزد على أن قال (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فقد أخبرهم بأن الله غفر لهم ذلك اليوم على تقدير الوقف على (عَلَيْكُمُ) . هذا والله تعالى أعلمُ ونسبة العلم إليه أحكمُ وأسلمُ وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
منقول
| |
|