وردت كلمتان في القرآن الكريم
كلمة (الحياة)،
وكلمة (المعيشة) ..
الحياة وردت لتدل على استقرار وأمن وراحة بال.
قال تعالى : (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة)
أما المعيشة فقد وردت لتدل على الشقاء والضنك.
قال تعالى : (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى)
لذا فإنني أشتهي لكم جميعا أيها القراء الكرام : “حياة” .. ولا .. أريدها “معيشة” فقط .. !!!
إن ربنا – جل وعلا – ما أنزل علينا القرآن لنشقى ..
بل لنحيا حياة طيبة ..
لذا فإن هناك سبيلا معلومة، وطريقا واضحة المعالم، لمن أراد أن يعيش الحياة المريحة بلا ضنك ..
إن الحياة الدنيا .. ما سميت “دنيا” إلا لاشتمالها عى النقص، ووجود الكدح فيها، بل والألم أحيانا ..!!
لكن هذا لا يعني أبدا أن لا تكون في معظمها مريحة …
بل وطيبة لمن عرف طريق “راحة البال”.
إن من أسرار راحة البال، وعدم الشقاء في هذه الدنيا ..
معرفة قدر الذات ..
إن من عرف قدر نفسه لن يهلك ….
لأنه سيضعها في موضعها اللائق بها في الدنيا و الآخرة.
ومن عرف قدر نفسه، سيعرف أنه هو المعني بالاستفادة في كل ما أمر به الشرع، وقاد له الذوق الصحيح.
ومن عرف قدر نفسه سيميز الفرق بين التحمل المشروع، والذل والخنوع.
وكذلك سيعرف الفرق بين كونه حرا في اختياره البقاء مع من لا يرتاح معه من زوج، أو شريك، أو أي شخص ابتلي بعشرته ..
و بين أن يبقى معه مذعنا، كسيرا، مجبرا، بسبب خوفه من القيل والقال، ومن الضغوط الخارجية.
معرفة قدر النفس مركب مهم جدا في عملية اتخاذ القرار،
والذي يحترم نفسه ويعرف قدرها، تكون قراراته موزونة ..
لأنها تنطلق من نفسية هادئة مستقرة غير شاعرة بالتهديد من أحد،
قوة تلك النفسية هو في استقرارها الداخلي وطمأنينتها القلبية.
وأحد أبرز الأغذية لتلك النفس القوية الصحيحة نفسيا هو :
وعيها بالقرآن الكريم .. واستقرار الصور التي أرادها الله تعالى أن تستقر لدينا، كمراجع للتفكير السديد، تقود القلب والعقل.
نعم،
لا انفكاك بين الخلوات القرآنية .. وخلوات الذكر والتأمل .. وبين جلاء
الران، والسخام، الذي يترسب على فطرنا، فيؤذيها، ويقلل من جوهر كرامتنا،
فننسى أننا خلفاء لله في أرضه، خلقنا لنعمرها ونقوي الوشائج فيما بيننا، ونحن كرام أعزة، نحترم ذواتنا، ونحترم ذوات الآخرين …
قال ابن عطاء السكندري : (ما نفع القلب مثل عزلة، تدخل بها إلى ميدان فكرة).
فأول الخير هو أن تأنس بوحدتك،
وأن لا تتوحش بخلوتك،
وأن تصادق ذاتك،
وأن ترى الناس أولوية متأخرة …. تأتي بعد اهتمامك بتنمية ذاتك.
الناس من حولك هم وسيلتك لرضا ربك. فأد لهم المعروف ..
لكنك لا تقدم رضاهم على رضا ربك،
ولا يكن نموهم سببا في ضمورك وضياع دينك،
و لا يكن إدخال السرور إلى قلوب من حولك، مدعاة لسخط ربك عليك، ومجافاة نبيك صلى الله عليه وسلم لك.
فاحذر خداع النفس …
ولا تهنها من حيث تريد أن تكرمها ..
ولا تتوهم أنك ستسعد .. فتشقى.. !!
ولا تعش ذابلا .. نكدا