حول قوله تعالى: معاذ الله إنه ربي
لم يمتنع يوسف عليه السلام عن دعوة زليخا
الآثمة فقط لأن الزنى حرام. وانه رذيلة تلاحق صاحبها الى يوم الدين. بل لأن وقيعة
الزنا تكون شديدة في أحوال ومواضع أكثر من غيرها وقد يتضاعف الإثم ويزداد حسب تلك
الظروف والأحوال :
فالبيت الذي يعيش فيه يوسف والنعمة التي أغدقها عليه سيده
عزيز مصر كانت السبب الصارخ للامتناع عن تلك الرذيلة، غير حرمة الزنى وقبح
معصيته.
كيف له أن يؤذي ولي نعمته وسيده وقد أسدى اليه المعروف تلو المعروف
وأغدق عليه كل ما يُقدم الوالد لولده؟
ولذلك فإن يوسف عليه السلام لم يذكر
لزليخا أن الزنا حرام لا ينبغي الاقتراب منه وانه حرام في الشريعة لأنها لم تكن
أصلاً مهتمة بذلك ولا مؤمنة به. ولكنه ذكّرها بزوجها وصاحبها الذي لا ينبغي لها أن
تخونه بأي حال.
فحينما قال يوسف (إنه ربي) ويقصد عزيز مصر الذي لا ينبغي له أن
يخونه لأنه سيده ومولاه وخادمه . فإن ذلك أدعى لزليخا وهي الزوجة وليست الخادمة أن
تمتنع أيضاً عن تلك الدعوة الفاحشة. فذلك أشد وقعاً للنفس وأكثر تأنيباً للضمير من
حجة أخرى قد لا يكون لها أثر في نفس زليخا.
والى ذلك أشار ديننا الذي هو دين
يوسف عليه السلام. فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الزنا فقالوا
حرام حرمه الله ورسوله فقال : ( لأن يزنى الرجل بِعَشْرِ نسوة أيسرُ عليه من أن
يزنى بامرأة جاره ) وسألهم عن السرقة قالوا حرام حرمها الله عز وجل ورسوله فقال : (
لأن يسرق من عَشرَةِ أهل أبيات أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره ) .
وعلى ذلك
فإن عقوبة الزنا تكون أشد للجار الجنب . وتكون أشد إن كان مقترفها محصن . وتكون
شديدة إذا زنا بامرأة مجاهد في سبيل الله . والزنا بامرأة حائض أشد من الزنا بامرأة
طاهر.والزنا بالمسلمة أشد من الزنا بالكافرة. وبالقاصر التي لم تبلغ أشد من
البالغ.والزنا بمكة والمدينة أشد إثماً من الزنا في غيرهما من البقاع. والزنا في
الحج والعمرة فيه إثم كبير أعاذنا الله منه . والزنا في رمضان يضاعف الذنب ويمحق
الرزق. نسأل الله تعالى العافية وأن يجنبنا المعصية ويباعدها عنا وعن جميع
المسلمين. والله أعلم.
__________________
كاتب وباحث ومؤلف